سورة يونس - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{يبغون}: أي يفسدون ويكفرون، والبغي: التعدي والأعمال الفاسدة، ووكد ذلك بقوله: {بغير الحق} ثم ابتدأ بالرجز وذم البغي في أوجز لفظ، وقوله {متاعُ الحياة} رفع، وهذه قراءة الجمهور وذلك على خبر الابتداء، والمبتدأ {بغيكم}، ويصح أن يرتفع {متاع} على خبر ابتداء مضمر تقديره ذلك متاع أو هو متاع، وخبر البغي قوله {على أنفسكم}، وقرأ حفص عن عاصم وهارون عن أبي كثير وابن أبي إسحاق: {متاعَ} بالنصب وهو مصدر في موضع الحال من {البغي} وخبر البغي على هذا محذوف تقديره: مذموم أو مكروه ونحو هذا، ولا يجوز أن يكون الخبر قوله {على أنفسكم} لأنه كان يحول بين المصدر وما عمل فيه بأجنبي، ويصح أن ينتصب {متاع} بفعل مضمر تقديره: تمتعون متاع الحياة الدنيا، وقرأ ابن أبي إسحاق. {متاعاً الحياةَ الدنيا} بالنصب فيهما، ومعنى الآية إنما بغيكم وإفسادكم مضر لكم وهو في حالة الدنيا ثم تلقون عقابه في الآخرة، قال سفيان بن عيينة: {إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا} أي تعجل لكم عقوبته في الحياة الدنيا، وعلى هذا قالوا: البغي يصرع أهله.
قال القاضي أبو محمد: وقالوا: الباغي مصروع، قال الله تعالى {ثم بغي عليه لينصرنه الله} [الحج: 60] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أسرع عقوبة من بغي» وقرأت فرقة {فننبئكم} على ضمير المعظم المتكلم وقرأت فرقة: {فينبئكم}، على ضمير الغائب، والمراد الله عز وجل.


المعنى: {إنما مثل} تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ يصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل من السماء {فاختلط} ووقف هنا بعض القراء على معنى، فاختلط الماء بالأرض ثم استأنف به {نبات الأرض} على الابتداء والخبر المقدم، ويحتمل على هذا أن يعود الضمير في {به} على الماء أو على الاختلاط الذي يتضمنه القول. ووصلت فرقة فرفع النباتُ على ذلك بقوله {اختلط} أي اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء، وقوله {مما يأكل الناس}، يريد الزروع والأشجار ونحو ذلك، وقوله {والأنعام} يريد سائر العشب المرعي، و{أخذت الأرض}، لفظة كثرت في مثل هذا كقوله {خذوا زينتكم} [الأعراف: 31] والزخرف التزين بالألوان، وقد يجيء الزخرف بمعنى الذهب إذ الذهب منه، وقرأ مروان بن الحكم وأبو جعفر والسبعة وشيبة ومجاهد والجمهور: {وازينت} أصله: تزينت سكنت التاء لتدغم فاحتيج إلى ألف الوصل وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبيّ بن كعب {وتزينت} وهذه أصل قراءة الجمهور، وقرأ الحسن وأبو العالية والشعبي وقتادة ونصر بن عاصم وعيسى {وأزينت} على معنى حضرت زينتها كما تقول أحصد الزرع، {وأزينت} على مثال أفعلت وقال عوف بن أبي جميلة: كان أشياخنا يقرؤونها {وازيانت} النون شديدة والألف ساكنة قبلها، وهي قراءة أبي عثمان النهدي، وقرأت فرقة {وأزيأنت} وهي لغة منها قول الشاعر [ابن كثير]: [الطويل]
إذا ما الهوادي بالغبيطِ احْمأرَّتِ ***
وقرأت فرقة {وازاينت} والمعنى في هذا كله ظهرت زينتها، وقوله {وظن أهلها} على بابها. والضمير في {عليها} عائد على {الأرض}، والمراد ما فيها من نعمة ونبات، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها، و{حتى} غاية وهي حرف ابتداء لدخولها على {إذا} ومعناها متصل إلى قوله {قادرون عليها}، ومن بعد ذلك بدأ الجواب، والأمر الآتي واحد الأمور كالريح والصر والسموم ونحو ذلك، وتقسيمه {ليلاً أو نهاراً} تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت، و{حصيداً}: فعيل بمعنى مفول وعبر ب {حصيد} عن التالف الهالك من النبات وإن لم يهلك بحصاد إذ الحكم فيهما وكأن الآفة حصدته قبل أوانه، وقوله {كأن لم تغن} أي كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر بغضارتها وقرأ قتادة يغن بالياء من تحت يعني الحصيد وقرأ مروان كأن لم تتغن بتاءين مثل تتفعل والمغاني المنازل المعمورة ومنه قول الشاعر: [الوافر]
وقد نغنى بها ونرى عصوراً *** بها يقتدننا الخرد الخذالا
وفي مصحف أبي بن كعب {كأن لم تغن بالأمس وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها كذلك نفصل الآيات}، رواها عنه ابن عباس، وقيل: إن فيه {وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها}، وقرأ أبو الدرداء {لقوم يتذكرون} ومعنى الآية التحذير من الاغترار بالدنيا، إذ هي معرضة للتلف وأن يصيبها ما أصاب هذه الأرض المذكورة بموت أو غيره من رزايا الدنيا، وخص المتفكرين بالذكر تشريفاً للمنزلة وليقع التسابق إلى هذه الرتبة.


نصت هذه الآية أن الدعاء إلى الشرع عام في كل بشر، والهداية التي هي الإرشاد مختصة بمن قدر إيمانه، و{السلام} قيل: هو اسم الله عز وجل، فالمعنى يدعو إلى داره التي هي الجنة، وإضافتها إليه إضافة ملك الى مالك، وقيل: {السلام} بمعنى السلامة، أي من دخلها ظفر بالسلامة وأمن الفناء والآفات، وهذه الآية رادة على المعتزلة، وقد وردت في دعوة الله تعالى عباده أحاديث منها رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم إذ رأى في نومه جبريل وميكائيل ومثلا دعوة الله ومحمداً الداعي والملة المدعو إليها والجنة التي هي ثمرة الغفران بالمادية يدعو إليها ملك إلى منزله. وقال قتادة في كلامه على هذه الآية ذكر لنا أت في التوراة مكتوباً يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر انته. وقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} الآية، قالت فرقة وهي الجمهور: {الحسنى} الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة، وقالت فرقة {الحسنى} هي الحسنة، والزيادة هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261]، وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقتراناً بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان، وعبر عن الحسنات ب {الحسنى} مبالغة، إذ هي عشرة، وقال الطبري: {الحسنى} عام في كل حسنى فهي تعم جميع ما قيل، ووعد الله تعالى على جميعها بالزيادة، ويؤيد ذلك ذلك أيضاً قوله {أولئك أصحاب الجنة}، ولو كان معنى {الحسنى} الجنة لكان في القول تكرير بالمعنى، على أن هذا ينفصل عنه بأنه وصف المحسنين بأن لهم الجنة وأنهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، ثم قال: {أولئك أصحاب الجنة} على جهة المدح لهم، أي أولئك مستحقوها وأصحابها حقاً وباستيجاب، و{يرهق} معناه يغشى مع ذلة وتضييق، والقتر الغبار المسود، ومنه قول الشاعر [الفرزدق]: [البسيط]
متوج برداء الملك يتبعه *** موج ترى وسطه الرايات والقترا
وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش وأبو رجاء {قتْر} بسكون التاء، وقوله: {والذين كسبوا السيئات} الآية، اختلف النحويون في رفع الجزاء بم هو؟ فقالت فرقة: التقدير لهم جزاء سيئة بمثلها، وقالت فرقة: التقدير جزاء سيئة مثلها والباء زائدة.
قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يكون رفع الجزاء على المبتدأ وخبره في {الذين} لأن {الذين} معطوف على قوله {للذين أحسنوا} فكأنه قال والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وعلى الوجه الآخر فقوله {والذين كسبوا السيئات} رفع بالابتداء، وتعم {السيئات} هاهنا الكفر والمعاصي فمثل سيئة الكفر التخليد في النار، ومثل سيئة المعاصي مصروف إلى مشيئة الله تعالى. والعاصم المنجي ، ومنه قوله تعالى {إلى جبل يعصمني من الماء} [هود: 43]. و{أغشيت} كسيت ومنه الغشاوة، والقطع جمع قطعة، وقرأ ابن كثير والكسائي {قطْعاً} من الليل بسكون الطاء، وقرأ الباقون بفتح الطاء، والقطع الجزء من الليل ومنه قوله تعالى: {فاسر بأهلك بقطع من الليل} [هود: 81] وهذا يراد به الجزء من زمان الليل، وفي هذه الآية الجزء من سواده. و{مظلماً}، نعت ل قطع ، ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في قوله {من الليل}، فإذا كان نعتاً فكان حقه أن يكون قبل الجملة ولكن قد يجيء بعدها، وتقدير الجملة قطعاً استقر من الليل{مظلماً}على نحو قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} [الأنعام: 155] ومن قرأ{قطعاً}على جمع قطعة فنصب{مظلماً}على الحال {من الليل} والعامل في الحال {من} إذ هي العامل في ذي الحال، وقرأ أبي بن كعب،{كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل وظلم}، وقرأ ابن أبي عبلة{قطَع من الليل مظلم}بتحريك الطاء في قطع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8